صمت صفير القطار...
رصيف قطر..نهار غائم..او فى نهاية نهار لعل الشتاء آتى..اعذرونى ايها السادة..نظاراتى ذات العدسة الواحدة لا تقوى على الرؤية..ههه..آوة...نحتاج لنظارات حتى نرى..فى وضح النهار..لا أنكر أنى عجوز..ولكن تذكروا أنى كنت شاب ..هل كنت شاب ...من الممكن ..لا اعلم ..هناك دائما ذكريات تمشى بخطوط متوازية معنا..لكن لا نلاقها...عسى فى يوم نلقاها..ولكن عندما تتقاطع قضبان القطار معناه...ان هناك حادث..لا اعلم لماذا انا هنا..بنصف زجاج لعدسة واحدة من النظارة..مغرقة بحبات المطر..أنة الشتاء أذا ولكن من قال ان الشتاء فقط صاحب الحق فى أعطاء البشر ..فرصة أخرى فى الطهارة...لا أرى حولى أحدا..لعلة أّذا الفجر..أذا فلنقم للصلاة..مهلا ً..تغريد العصافير فى الفجر مختلف تماما ً..عن تغريد العصافير..فى المغرب..لعلنى كنت هنا قبل الأن ..وتبقى منى خيال ظل لعلنى هذا الخيال الظل ..أو أن الناس ستأتى الأن هناك بعض الخيالات أراها من خلف الزجاج المغرق..
_ محمود الغدا خلص..قوم عشان تاكل
_بس انا لسة مخلصتش كتابة
_يامحمود ياحبيبى ..الأكل هيبرد
_ما يبرد المهم عم محمد ميبردش
_عم محمد مين
_الراجل اللى فى المحطة
_محمود هو انتا مش هتبطل عادة تبكى وانتا بتكتب دية ..النضارة متغرقة دموع
_طب لية مكونش مكان عم محمد وعم محمد مكانى..ما كلها أرصفة وكلها قطرا...ولا يمكن يكون انا أتأخرت فى الوصول للحظة الحالية ..تأخر زمنى
_محمود أنتا كلامك بقة عامل زى أفلام يوسف شاهين..تفتكر أنتا كدة عاقل
_هو أنتى بتزعقى لية..قلت مش هاكل
_بس..
_مبسش..انا عاوز اشوف مش جايز انا واقف غلط...زواية رؤيتى غلط..استنى كدة...وصلت لحاجة سبينى دلوقتى
_لا عشان انتا معاد الدوا دلوقتى ولازم تاكل عشان تاخد الدوا
_ياماما انا مش عاوز دول وعاوزك تستريحى وتاخدى دوا ولا انتى عايزة تسبينى زى بابا..ما سابنى
_الفراق ..شئ بديهى..زى الولاد شئ بديهى..اقبل المعادلة يابنى كدة..زوايتك مش غلط..بس انتا اللى عاوز الحياة مكتملة وبابا مجرد صفحة من روايتها..يبقة ازى هيكمل الاحداث وانا هبقة كدة
_بعد الشر عليكى..
_يابنى الموت مش شر..الشر اننا نفضل عايشين من غير ما نعرف لية،ممكن بقة تقوم نتغدا وتاخد الدوا..صحيح كلنا لينا خط نهاية بس لسة موصلناش الية يبقة لسة فية فرص تانية للابتسام..ممكن اشوف ابتسامتك..وهشغلك الموسيقى اللى انتا بتحبها واحنا بنتغدا..
_حاضر ...دقيقة وابقة معاكى ...
لماذا أصر على النضارة ..مادامت هناك قطرات ماء على النصف الباقى من عدسة واحدة ..لكنى لو كنت أرى كنت سأرى من الأطار الفارغ الموجود ناحية اليسار..لا مانع أذا من التخلص من هذا الاطار المعّوق..لا استطيع ان ارى اى شئ غير الغيوم ..ليس هناك صوت لعصفور..الرصيف فارغ..أذاً نحن ليلا فى محطة بعيدة..لعلنى المسافر العجوز..الذى لم يأتى الشخص الوحيد القادر على انقاذة وتركنى فى النهار..ونمت..وتقاطعت خطوط الزمان..لسنا فى الجنة..صوت النباح ليس هناك..شئ يوخز قلبى ..لماذا أشعر بحنين..جارف للكرسى الذى جلست علية أول مرة فى انتظار قطار..لعلنى فى ذات الكرسى ..او لعل الكرسى ..تغير ولكن القطار لم يأتى ..أو لعلنى أتيت متأخراً..ولكن النهاية لا تتأخر..أذا أتيت قبل موعدى..لماذا أهتم بالمواعيد ونسيت أنى لا أرى ..لعلنى لا أسمع مجددا..لكنى أتذكر شئ
_ عم محمد يلا عشان القطر وصل...
يأخذ بيدة ويدخلة القطر..ويوصى راكب بجوارة ان ينزلة نهاية الخط..لانة مصاب بحالة زهايمر منذ شلل ابنة فى حادث قطار
لعلنى الان اتفهم عدم تغريد العصافير..العصافير لا تحب الغربان ..والغربان تحب الدم..الله ارسل لنا المطر ليطهرنا قبل ان ندخل الجنة..لعلة سيحزن ولكن سيقف على رجلية ويصلى على صلاة الوداع..لعلها رحلتى الأخيرة..لعل الخطان المتوازيان تتداخلوا أخيرا..لعلة الصمت..صمت صفيرالقطار..إلى الابد.